الصوم والتجارب القس بنيامين مرجان
الصوم والتجارب
القس بنيامين مرجان
"لماذا صمنا ولم تنظر ذللنا أنفسنا ولم تلاحظ" (أش 3:58).
مبارك هو الصوم المقدس الذي تعيشه كنيستنا الآن مشتركة مع مسيحها القدوس في صومه إذ سبق فقدم عنا صومًا مقبولًا لندخل به كل حين باسمه ننال قبولا أمام الله أبيه.
وحتى لا تنقضى فترة الصوم المقدس ويجد الإنسان منا نفسه يسأل النبى في العهد القديم مخاطبًا الله قائلًا: لماذا صمنا ولم تنظر ذللنا أنفسنا ولم تلاحظ (أش 3:58) رغم أن الشعب كان قد قدم صومًا كاملًا من حيث شكله وترتيبه إذ يقول أشعياء النبى: "أمثل هذا يكون صومًا اختاره يومًا يذلل الإنسان فيه نفسه، لحين كالأسئلة رأسه، ويفرش تحته مسحًا ورمادًا هل تسمى هذا صومًا ويومًا مقبولا للرب" (أش 58).
وهكذا رفض الرب صومهم رغم وجود التذلل والمسوح والرماد إذ كان القلب بعيدًا لم يمسه التغيير الحقيقى من قبل الله ليتحول إلى قلب لحمى جديد.
ثم يعود النبى فيوضح لنا كيف نقدم الصوم المقبول الذي يؤثر في قلب الإنسان ويرتبط مع تغيير حقيقى فيه إذ يقول: "أليس هذا صومًا أختاره. حل قيود الشر، فك عقد النير، إطلاق المسحوقين أحرارًا وقطع كل نير، أليس ان تكسر للجائع خبزك وإن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك، إذا رأيت عريانًا أن تكسوه والا تتغاضى عن لحمك" (أش 3:58-9).
1- صومنا في المسيح :
نحن الآن نصوم في صوم المسيح الذي صامه عنا، إذ سبق فقدم عنا هذا الصوم المقبول الذي ارتبط في حياة رب المجد بالجسد بالنصرة الحقيقة، كان يحمل اجسادنا فيه، صام بنا ولأجلنا ثم تقدم منه الشيطان ليجربه فأنتصر لحسابنا وهكذا إن غلبنا في آدم بالشهوة وغلبنا في المسيح بالصوم، فمن يصوم مع المسيح حتمًا يجتاز معه نفس النصرة التى حققها لنا على عدو الخير فوق جبل التجربة، كسر القيود واعطانا حرية حقيقية.
كسر قيود الجسد حينما أجاب ابليس "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله".
كسر قيود المادة حينما رفض ممالك العالم كله ومجدها حينما أظهر أن هذه كلها مرتبطة بالسجود للشيطان وقهره قائلًا: "للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد".
كسر قيود الذات حينما رفض المجد الباطل ومديح الناس والسعى وراء العجائب إذا اجابه "لا تجرب الرب إلهك".
الصوم مع المسيح إذا حرية، الصوم الحقيقى يحررنا من رباطات كثيرة.
2- حرية من الجسد :
"إن كنت ابن الله فقل أن تصير الحجارة خبزًا" وليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بكل كلمة تخرج من فم الله.. (مت 1-5) الجسد ليس شرًا في ذاته إنما هو إناء مقدس وهيكل لحلول الروح القدس وسكناه، إنه مسكن النفس الطاهرة التي خلقت على صورة الله، قد تدشن بالميرون المقدس بكل عضو من أعضائه أو حاسة من حواسه.
الجسد هو المكان اذى تقابلنا فيه مع الله واتحد اللاهوت بطبيعتنا في شخص يسوع المسيح فهو مقدس وطاهر ولكنها الشهوة، نعم شهوات الجسد، فالخطية حينما تملك، تسيطر خلال ميول الجسد الطبيعية والضرورية للحياة لتنحرف بها فتصير شهوات مدمرة للإنسان. لذلك يوصينا الرسول بولس قائلًا: "إذا لا تملكن الخطية في جسدكم المائت لكي تطيعونها في شهواته ولا تقدموا أعضاءكم آلات اثم للخطية، بل قدموا ذواتكم لله كأحياء من الأموات وأعضاءكم آلات بر لله" (رو 12:6،13).
هكذا تملك الخطية في (شهوات الجسد) فتتحول إلى لهيب يحرق الإنسان، ويدخل الإنسان في صراع لإشباع شهواته الأكل، الشرب، الجنس، الزينة، الراحة، الكسل... الخ. يصير الجسد طاغيًا يستعبد الإنسان وكل إمكانياته وطاقاته ليسخرها لتحقيق رغائبه وتصبح حياة الإنسان هي مجال تمتع وقتى باللذة الحسية والشهوة مرددًا مع أبيفور لنأكل ونشرب لأننا غدا نموت.
هناك يأتى الصوم ليقع الجسد في مجل عمل وسيطرة الروح القدس ليقدسه ويجعله خادمًا لخلاص الإنسان "أطلب إليكم أيها الأخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية ولا تشاكلوا هذا الدهر" (رو 1:12،2).
فنحن بالصوم لا ننقطع تمامًا عن الطعام وإنما بالعبادة، بالصلاة مع الانقطاع لفترة عن الطعام والابتعاد عن الأطعمة الحارة نضع الجسد خادمًا لأقداس الإنسان وخلاصه.
3- حرية من المادة :
"أراه جميع ممالك العالم ومجدها وقال أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لى".
للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد (مت 18:4)، وهكذا كشف الشيطان دون أن يدرى أن السعى وراء المادة والإرتباط بها مرتبط حتمًا بالسجود له للشيطان.
والمادة ليست شرًا في ذاتها فقد خلقها الله وقدسها لتعلن حضوره ومحبته ورعايته للإنسان ولكن حين تصبح هدفًا في ذاتها وحين ينفصل الإنسان عن الله فلا يتناول المادة من يديه تتحول إلى إله يستعبد الإنسان ويذله. حين يعيش الإنسان في دنيا الحواس فقط. يؤمن ويسعى وراء ما تدركه حواسه فقط يلهث وراء المادة واقتنائها وما لا يقع في دائرة المادة يصير عنده غير معقول وغير حقيقى، حين يفقد قناعته بالسماء وبالأبدية، هذه المادة التي استعبدت إنسان عصرنا الحديث وجعلته آلة استهلاكية ضخمة مسخرة كل غرائزه وحواسه لها، (لاحظ اعلانات التليفزيون مثلًا).
العالم ليس ماديًا في ذاته ولكننا نحوله إلى شيء مادى حينما نفصله عن الله حينما لا نتناوله بالقداسة والشكر.
الصوم فرصة للتحرر من سلطان المادة لقبول عطية الروح. ويكون جسد الرب ودمه في قداسات الصوم هو أول ما يدخل ويكون جسد الرب ودمه في قداسات الصوم هو أول ما يدخل فم الإنسان. وحين يتقوى بالصلاة والعبادة. يصير المادة شيء روحي عنده يطلبها بمقدار احتياجه ليمجد اسم الله ويشكره.
4- حرية من الذات والمجد الباطل :
"إن كنت ابن الله اطرح نفسك إلى أسفل لأنه مكتوب انه يوصى ملائكته بك فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك (لا تجرب الرب إلهك)" (مت 6: 4، 7).
إن الذات هي الخطية وموت الذات هو الخلاص، الذي التي تريد الخير والشر (تك 5:13).
الذات التي كفيلة لو ملكت ان تهلك الإنسان إذ تحول كل سعيه إلى تراب وفناء لأن ما هو خالد وباقى فينا هو الذي يرتبط بالله وملكوته ومجد اسمه القدوس.
الذات التي تظهر في الأنانية البغيضة والفردية القاتلة حينما يرى الإنسان نفسه محور العالم. نفسه، أفكاره، احتياجاته، كلماته... الخ.
هذه الذات التي تحجب وجه المسيح، انها السجن الذي يضغط على روح الإنسان الجديد محاولًا خنقه.
طوبى للرحماء على المساكين فإن الرحمة تحل عليهم والمسيح يرحمهم في يوم الدين ويحل بروح قدسه فيهم (مرد الصوم المقدس).
هذه المسكنة بالروح التي طوبها المسيح له المجد.
حينما أؤكد الآخر وأحبه وأعيش معه في شركة أكون ابنا حقيقيا كذلك الذي جاء لا ليطلب مجد نفسه بل مجد الله وأعلن، "مجدًا من الناس لست أقبل" (يو 41:5).
"كيف تقدرون أن تؤمنوا وانتم تقبلون مجدا بعضكم من بعض والمجد الذي من الإله الواحد لستم تطلبونه" (يو 44:5)، ليتنا عندما نصوم، نضع امامنا هذا الهدف (الحرية) إن نتحرر بالمسيح "إن حرركم الإبن فبالحقيقة تصيرون أحرارًا" (يو 36:8).
ربى يسوع يا من قدست جسدى بتجسدك أجعل جسدى هيكلا لك..
يا من قدست الخليقة لحلولك فيها. اجعلنى أقبلها من يديك وحدك لأشبع بها. بل اشبع فيها بحبك.. يا من أخليت ذاتك ولم تطلب مجد نفسك بل مجد الآب علمنى كيف أجلس معك عند اقدام اخوتى لأقبل المجد الحقيقى من الله أبيك.
ربى يسوع - المجد لك وحدك إلى الأبد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق