مشاركة مميزة

خبر هام جدااا جداااا لكل متابعي مدونتنا

نعتذر عن توقف النشر بهذة المدونة و يمكنكم متابعتنا علي مدونتنا الاخري  اضغط علي الصورة للوصول للمدونة الاخري ونتمني اشتراككم فيها ...

الأحد، 29 ديسمبر 2013

كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث - لوم النفس *

كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث

3- لوم النفس *

St-Takla.org Image: Elijah fed by the ravens صورة في موقع الأنبا تكلا: إيليا تتطعمه الغربان


باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد آمين.

هوذا نحن علي أبواب عام جديد، ومن المعروف أن كل إنسان يحب أن يبدأ عامه الجديد بالتوبة والنقاوة، وطبعًا يبدأه بالاعتراف. وهذا الأمر يحتاج منه إلي جلسة مع نفسه لكي يحاسبها ويلومها علي أخطائها. لذلك أحب أن أقول لكم كلمة مختصرة عن فضيلة لوم النفس.


لأن الذي ليست له فضيلة لوم النفس، لا يعرف أن يجلس مع نفسه وإن جلس مع نفسه لا يستفيد.

ومادام لا يلوم نفسه، إذن فسوف لا يعترف بخطاياه، وبالتالي سوف لا يتوب، ويظل العام الجديد كسابقه، بنفس أخطائه! لذلك أود أن أكلمكم عن أهمية لوم النفس، وعن الفضائل التي يحصل عليها الإنسان من لومه لنفسه.

الذي يلوم نفسه، يستطيع أن يعرف حقيقة نفسه..

معرفة حقيقة النفس

1- معرفة حقيقة النفس

كثير من الناس نفوسهم مغلقة بالتبريرات والأعذار والفهم الخاطئ. وهم لا يلومون أنفسهم، لأنهم يدللون أنفسهم، ويعذرون أنفسهم في كل شيء. أنهم لا يقبلون إطلاقًا أن يأتوا باللائمة علي أنفسهم، لذلك لا يعرفون حقيقة ذواتهم. وقد تبقي ذات كل منهم جميلة في عينيه، علي الرغم من كل نقائصها!

مثل هذا الإنسان، الذي لا يلوم نفسه، وبالتالي لا يعرف حقيقة نفسه، هو محتاج أن يأتيه اللوم من الخارج.

هو في مسيس الحاجة إلي إنسان من الخارج يلومه، ويعرفه حقيقة نفسه ويفهمه أخطاءه ومواضع الزلل في تصرفه، بل ويعرفه مقدار عمق خطيئته، ويبكته عليها مادام ضميره لم يبكته. وقد فعل الله مع داود، حينما أرسل إليه ناثان، ليلومه ويعرفه كم هو مخطئ، ويقنعه أن يقول "أخطأت إلي إلى الرب" (2صم 12: 13). وفي مرة أخري، لم يكن داود يلوم نفسه أيضًا، فأرسل له الله أبيجايل لتعرفه مقدار الخطأ الذي كان هو مزمعًا أن يقع فيه، لكي تمنعه عن ذلك. وفعلًا،  استجاب داود وقال لها "مبارك عقلك، ومباركة أنت، لأنك منعتني اليوم عن إتيان الدماء وانتقام يدي نفسي" (1صم 25: 23). إذن إن الإنسان لا يلوم نفسه علي أخطائه، بعد فعلها، أو علي أخطائه التي هو مزمع أن يفعلها، فقد يرسل له الله من يلومه، كما أرسل أبيجايل وكما أرسل ناثان. ولكن الأفضل أن يكون القلب من الداخل سليمًا؟ فيلوم الإنسان نفسه. ولذلك قال القديس مقاريوس الكبير:

أحكم يا أخي علي نفسك، قبل أن يحكموا عليك. إن حكمت علي نفسك، فأنك سوف تعرف حقيقتها وكم هي خاطئة. وإن عرفت حقيقة نفسك، فإنك سوف تدينها وتحكم عليها. هذه توصل إلي تلك.. كل إنسان لم يحكم علي نفسه، ولم يلم نفسه، هو إنسان لم يعرف نفسه بعد: لم يفحصها، لم يحاسبها، لم يكن صريحًا معها. هناك فائدة أخري للوم النفس، وهي:

لوم النفس يساعد على عدم إدانة الآخرين

2- عدم إدانة الآخرين

إن الذي يلوم نفسه، ينشغل، ينشغل بها وبتقويمها وفي خجله. وفي أخطائها، لا ينظر إلي خطايا غيره. وفي ذلك قال القديسون:

الذي ينشغل بخطاياه، لا يكون له وقت يدين فيه خطايا أخيه.

إن استطاع أن يبصر الخشبة التي في عينيه، يخجل من التحدث عن القذى التي في عين أخيه.. وغنما كلما تحدث عن غيره، ويقول: هذا أفضل، وهذا أبر مني ومهما كانت خطايا فلان، فإن خطاياي أنا أكثر وأبشع.. أما الشخص البار في عيني نفسه، فإن يجلس ويلوم الآخرين!

وربما في نقائصه وعيوبه، يأتي باللائمة علي غيره.

فإذا أخطأ يأتي باللائمة علي الناس، وعلي الظروف، وعلي البيئة.. علي الناس الذين أوقعوه في الخطيئة، كما حدث لآدم إذ ألصق السبب في خطيئة حواء.. وقد يلصق الإنسان السبب، بالظروف المحيطة، كما برر إيليا هروبه بقوله للرب "قتلوا أنبياءك بالسيف.. وهم يطلبون نفسي ليأخذوها" (1مل 19: 14).. وقد يلصق السبب بالبيئة، كما حدث أن أبانا إبراهيم قال عن زوجته سارة إنها أخته! ثم حاول أن يغطي ذلك بقوله "أني قلت: ليس في هذا الموضع خوف الله البتة، فيقتلوني لأجل امرأتي" (تك 20: 11). ولوم كان إبراهيم يلوم نفسه ما قال هذا. وكذلك لو كان أبونا آدم يلوم نفسه، ما لام حواء، ولو كان إيليا النبي يلوم نفسه، ما لام الظروف!

ولكن الإنسان يلوم غيره ويدينه، لكي يبرر نفسه.

لأنه لا يريد أن يلوم نفسه، ولا يريد أن يلومه الناس، فيلصق خطيئته بغيره ليخرج هو بريئًا..! كثيرون يغسلون أيديهم بالماء، كما فعل بيلاطس؟! خير للإنسان أن يلوم نفسه، من أن يبرر نفسه.

والذي يلوم نفسه ضعفه، فيعذر غيرة ولا يدينه.

حدث للقديس موسى الأسود، الذي رفض أن يدين راهبًا مخطئًا عقد له مجمع لإدانته. حمل هذا القديس علي ظهره كيسًا مملوءًا بالرمل ومثقوبًا. ولما سئل في ذلك قال "هذه خطاياي وراء ظهري تجري وقد جئت لإدانة خطايا أخي.."! الذي يلوم نفسه، إن سئل عن خطايا شخص آخر، يقول لسائله: اسألني عني خطاياي أنا،  أما ذلك الإنسان فهو أبر مني. أخاطئ هو؟ لست أعلم (يو 9: 25). الذي يلوم نفسه، لا يقسو في الحكم علي خطايا الآخرين، كما فعل الفريسيون الذين طلبوا رجم المرأة الخاطئة، فقال لهم السيد المسيح:

من كان منكم بلا خطية، فليقذفها أولًا بحجر (يو 8: 7).

ذلك لأن الذي يقذف بالحجارة، إنما يظن في نفسه أنه بلا خطية، أو علي الأقل يكون في ذلك الحين ناسيًا لخطاياه، وليس في وضع من يلوم نفسه. أما الذي الأقل يكون في ذلك الحين ناسيًا لخطاياه، وليس في وضع من يلوم نفسه. أما الذي يلوم نفسه، فإنه يقول في فكره "من أنا حتى ألوم الناس؟ أنا الذي فعلت كذا وكذا.. الأولي بي أن أصمت مادام الله قد سترني.. تري لو سمح الله أن أنكشف، أكنت أستطيع أن أتكلم.

هذا عور من يضع خطيئته أمامه في كل حين (مز50). ولكن للأسف فإن كثيرين، من أجل راحة نفسية زائفة، أو من اجل كبرياء داخلية ومجد باطل، وليس من أجل أبدتهم، لا يحبون أن يتذكروا خطاياهم، ولا أن يلوموا أنفسهم، كما لا يقبلون أن يأتيهم اللوم من آخرين!.. يحبون أن ينسوا خطاياهم، وفي نفس الوقت يذكرون خطايا الناس..! وما الفائدة لهم من كل هذا، سواء في السماء أو علي الأرض؟! لا شيء. حقًا ما أجمل قول القديسين:

إن دنا أنفسنا، رضي الديان عنا.

لوم النفس يساعد على إصلاح الذات وتنقيتها

3- إصلاح الذات وتنقيتها

الذي يلوم نفسه، يكون مستعدًا لإصلاح ذاته.

ما دمت أعرف أن هذه خطية، يكون عندي إذن استعداد لكي أتركها. ولكن كيف يمكن لإنسان أن يترك شيئًا، مادام لا يلوم نفسه إطلاقًا علي عمله؟! إذن لوم النفس يسبق بلا شك تنقية النفس من أخطائها. هو خطوة أولي التوبة.

أما تبرير الذات، فهو الذات، فهو شيطان يلتهم التوبة ويفترسها.

إن وجد الشيطان إنسانًا يلوم نفسه، ويريد أن يترك الخطية ويتوب، يحاول الشيطان أن يخرجه من هذا النطاق الروحي، ويقول له: لا تظلم نفسك بلا داع. في أي شيء أخطأت؟ إن الموقف كان طبيعيًا جدًا، لك عذرك في هذا الأمر. والمسئولية تقع علي فلان وفلان. أو أن الظروف كانت ضاغطة. والضغوط الخارجية نفسك بلا سبب..! هذا هو كلام الشيطان، أسلوب تبرير الذات. أما القديسون فيقولون:

في كل ضيقة تحدث لك، قل هذا بسبب خطاياي.

إنك لن تخسر شيئًا إذا لمت نفسك. بل إن هذا يقودك إلي التوبة إن كنت مخطئًا، وينميك روحيًا إن كنت بريئًا. في إحدى المرات زار القديس البابا ثاوفيلس جبل نتريا، والتقي بأب الرهبان المتوحدين في هذا الجبل، وسأله كأب عن أعظم الفضائل التي أتقنوها طول ذلك الزمان في الوحدة القديس أب رهبان نتريا:

صدقني يا أبي لا يوجد أفضل من أن يرجع الإنسان باللائمة علي نفسه في كل شيء.. فائدة أخري للوم النفس، وهي أنه يساعد علي الاعتراف:

لوم النفس يساعد على المساعدة علي الاعتراف

4- المساعدة علي الاعتراف

ما هو الاعتراف في معناه الروحي؟

الاعتراف هم أن يدين الإنسان نفسه..

يدين الإنسان نفسه أمام الله، في سمع الأب الكاهن، لينال المغفرة. فإن كان الإنسان يلوم نفسه، كيف سيعترف إذن وكيف ينال المغفرة؟

الخطوة الأولي هي بلا شك، أن يدين نفسه فيما بينه وبين نفسه، في داخل قلبه وداخل فكره. حينئذ يمكنه أن يعترف بهذه الخطية أمام الله في صلواته، ثم يمكنه أن يعترف بها أمام الكاهن.. أما الذي يفقد الخطوة الأولي، التي هي لوم النفس، فمن الطبيعي أنه سيفقد باقي الخطوات.. ولذلك، فالذي لا يلوم نفسه، لا يعترف.. علي الأقل لا يعترف بالنقط التي لا يلوم نفسه عليها.. وقد يجلس مع أب الاعتراف وقتًا طويلًا، ومع ذلك لا يعترف.. وكيف ذلك؟

بعض الناس تتحول اعترافاتهم إلي شكوى، ضد غيرهم!

هم يشكون ظروفهم، في البيت أو في العمل، أو في الكنيسة.. مثل زوجه تجلس مع الأب الكاهن لتعترف، فتحكي سوء معاملة زوجها لها. فتعترف بخطايا زوجها، وليس بخطاياها هي. أو تعترف بمشاكل ومتاعب تحيط بها. أما نفسها فلا تقول عنها شيئًا، لأنها لم تجلس أولًا لكي تلوم نفسها قبل الاعتراف!

وهناك من في اعترافه، يدين أب الاعتراف نفسه!

يقول له: أنت يا أبانا مقصر في حقي، لا تفتقدني، لا تهتم بي، لا تعطيني تداريب روحية، لا تحل مشاكلي، لا تتابع حياتي الروحية، لا تصلي لأن خطاياي ومشاكلي مازالت كما هي باقية.. أنت يا أبي لا تسأل عني..! فهل هذا يمكن أن نسميه اعترافا؟! حيث ينسي الإنسان نفسه ونقائصها، ولا يلوم نفسه، . بل يجعل سبب ضعفاته، عدم اهتمام أب الاعتراف به. فيلوم أب الاعتراف، بدلًا من أن يلوم نفسه.. ثم بعد ذلك يطلب تحليلًا..! تحليلًا عن ماذا؟!

إننا نريد أن تبدأوا هذا العام بالاعتراف السليم.

بلوم النفس أمام الله، في اقتناع كامل بكل أخطائها ونقائصها، وبدون تقديم أعذار أو تبريرات للتخفيف من ثقل خطاياها.. ولا نقف أمام الله لنشكو غيرنا، إنما لنشكو أنفسنا التي تعدت كثيرًا علي وصاياه..

لذلك أجلسوا إلي أنفسكم وحاسبو، وفتشوا علي نقائصكم.

حاولوا أن تبصروا كل ما فيكم من عيوب، لكي تستطيعوا أن تتخلصوا منها وتتنقوا.. فالجلوس مع النفس هو تمهيد للوم النفس. ولوم النفس هو تمهيد للاعتراف والتوبة. وهذا ما نريد أن نبدأ به عامنا الجديد.. نلوم أنفسنا أمام ذواتنا، أمام الله، وأمام الأب الكاهن.. وهكذا لوم النفس يقودنا إلي المغفرة. وهذه فائدة أخري.

لوم النفس يقود إلي المغفرة

ما الذي يغفره لك الله؟ هو ما تعترف بأنك أخطأت فيه.

أما الذي تقول انك لم تخطئ فيه، طبيعي إنك لا تطلب عنه المغفرة، وبالتالي لا تنال مغفرة عنه إن كان في واقعه خطأ. إن كنت تعرف أنك مريض، فسوف تسعي إلي الطبيب لكي تشفي.. وأما إن أصررت علي أنك سليم وصحيح، فحينئذ ستسمع قول الرب:

لا يحتاج الإصحاح إلي طيبي، بل المرضي (مت 9: 12).

إن العشار الذي لام نفسه وقال "إني خاطئ" استحق أن يخرج من الهيكل مبررًا، بعكس الفريسي الذي لم يجد شيئًا يلوم عليه نفسه فقال: أشكرك يا رب إني لست مثل سائر الناس الظالمين الخاضعين الزناة (لو 18: 11).

حقًا ما الذي يمكن أن يغفره الله لهذا الفريسي (البار)؟!

آية خطيئة يغفرها لهذا البار في عيني نفسه، الذي لم يعرض خطيئة واحدة أمام الله طالبًا عنها مغفرة.. لو كان خاطئًا مثل العشار، لكان يطلب الرحمة مثله. ولكنه يفتخر قائلًا إنني "لست مثل هذا العشار". لم يعترف بخطايا تحتاج بخطايا تحتاج غلي غفران، ولم يطلب غفرانًا. فأبعد نفسه عن المغفرة وعن التبرير بدم المسيح. كذلك لم يقل الكتاب إن الله قد برر الابن الأكبر، الذي هو أيضًا لم يجد شيئًا يلوم عليه نفسه، بل أكثر من هذا غضب وألقي اللوم علي أخيه وعلي أبيه فقال له "أنا أخدمك سنين هذا عددها، وقط لم أخالف وصيتك. وجديًا لم تعطني قط لأخرج مع أصدقائي.." (لو 15: 29). حقًا أية مغفرة تعطي لمن يقول: قط لم أخالف وصيتك.

ونفس هذا الابن لم يطلب مغفرة، لأنه لم يجد في تصرفاته خطأ واحدًا يحتاج إلي مغفرة!! أما أخوه الأصغر فقد تبرر لأنه لام نفسه وقال لأبيه "أخطأت إلي السماء وقدامك. وليست مستحقًا أن أدعي لك أن تدعي لك أبنًا.." إذن أن كنت لا تدين نفسك فأنت تبدو بارًا في عيني نفسك، بينما السيد المسيح قد قال:

ما جئت لأدعو أبرارًا، بل خطاة إلي التوبة (مت 9: 13). وبهذا تكون خارج نطاق المسيح / ولم يأت لأخلك.

إنه جاء من أجل الخطاة. جاء يطلب ويخلص ما قد هلك (لو 19: 10)، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. جاء من أجل المرضي ليشفيهم. جاء ليبشر المنكسري القلوب.. فهل أنت من هؤلاء؟ إنك تكون منهم في حالة ما تلوم نفسك وتدينها. أما أن كنت تري نفسك بارًا ومحقًا ولا عيب فيك..

فكأنك تقول: لا شأن لي بدم المسيح وكفارته.

إن دم المسيح هو لمحو الخطايا. أعترف إذن بخطاياك، لكي يكون لك نصيب فيه ولكي ينضح عليك بزوفاه فتطهر، وتنال المغفرة. لماذا تبعد نفسك عن دم المسيح وفاعليته؟! علي أنني أقول لكم في هذا المجال ملاحظة مؤلمة وهي:

كثيرون يقولون إنهم خطاة. وداخلهم لا يعترف بهذا

كلمة "خاطئ "قد يقولها الواحد منهم عن نفسه، بشفيته فقط، ليبدو متضعًا. ولكنه في داخل نفسه غير مقتنع بأنه مخطئ. وأن قلت له إنك مخطئ، يثور عليك، ويدافع بشدة عن نفسه..

ونحن لا نقصد أن يلوم الإنسان ملامة باطلة زائفة.

فهذه الملامة الشكلية الباطلة، هي غير مقبولة أمام فاحص القلوب والكلي.. إنما حينما نقول لك أن تلوم نفسك. نقصد أن تكون مقتنعًا في أعماقك اقتناعا كاملًا بأنك مخطئ. وهذا اللوم الحقيقي للنفس هو الذي به تستحق المغفرة.. لوم النفس يقود إلي المغفرة. ويقود أيضًا إلي الاتضاع..

لوم النفس يقود إلي الإتضاع

الذي يلوم نفسه، يصل إلي الاتضاع وانسحاق القلب، ولا يكون كبيرًا أو بارًا في عيني نفسه، لأنه بلوم لنفسه يدرك نقائصه وضعفاته.

الشخص المتضع، باتضاع يصل إلي لوم النفس. والذي يلوم نفسه، يصل بذلك إلي الاتضاع.

كل واحد من هاتين توصل إلي الأخرى، لأنهما مترابطان. إن بدأت بأي منهما يمكن أن تصل إلي الأخرى. وكل واحدة منهما. تكمن الأخرى في داخلها. إذ كيف يمكن لإنسان أن ينتفخ، أو يفتخر بنفسه، أو يكون بارًا في نظر نفسه، بينما أخطاؤه ماثلة أمام عينيه؟! يتذكرها فتنحني نفسه في داخله..

و المتضع الذي يلوم نفسه، لا شك يشفق علي غيرة.

أنه يدرك تمامًا ضعف النفس البشرية أما هجمات الشيطان وحيله ودهائه وإغراءاته، لذلك فإنه يعذر كل من يسقط، ولا يقسو عليه مطلقًا في أحكامه، متذكرًا قول القديس بولس الرسول:

"اذكروا المقيدين، كأنكم مقيدون معهم".

"اذكروا المذلين كأنكم أنتم أيضًا في الجسد" (عب 13: 3)، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. من أجمل الأمور في الحياة الروحية، أنك تكون شديدًا علي نفسك، تلومها في كل خطأ. وعلي العكس من الناحية الأخرى، تكون شفوقًا علي المخطئين، تحاول أن تعذرهم بقدر ما تستطيع.. وكما يقود لوم النفس إلي الاتضاع، يقود أيضًا إلي الدموع..

لوم النفس يقود إلي الدموع

7- يقود إلي الدموع

لذي يتذكر خطاياه، ويحزن عليها، ويبكت نفسه عليها، يؤهل لموهبة الدموع. والدموع تغسل نفسه من كل خطية، وتجعله منسحق القلب. قريبًا إلي الله. أما الذي لا يلوم نفسه، فعيناه باستمرار جافتان، مع قسوة في القلب.. المرأة الخاطئة، في تذكرها لخطاياها، بللت قدمي الرب بدموعها في بيت الفريسي. وكانت دموعها مقبولة أمام الله، فنالت المغفرة.. ونحن نتذكر دموع هذه المرأة في صلاة نصف الليل، فيصرخ القلب قائلًا "أعطني يا رب ينابيع دموع كثيرة، كما أعطيت في القديم للمرأة الخاطئة.." (لو 7: 38). من فوائد لوم النفس، أنه يؤدي إلي التوبة، وإلي الاتضاع والانسحاق والدموع. كذلك هو يؤدي إلي الصلح والسلام مع الناس.
الصلح والسلام مع الناس

الصلح والسلام مع الناس

8- الصلح والسلام مع الناس:

الذي يلوم نفسه يمكنه أن يعيش في سلام دائم مع الناس.

حتى إن حدث خلاف، فبلوم النفس يسهل أن يتم الصلح.

إن الخصومة تشتد، حينما يصر كل من الطرفين علي موقفه، ويبرر نفسه مدعيًا أن الحق في جانبه، وأن الجانب الأخر هو المخطئ. أما إن سلك أحدهم باتضاع، وأتي بالملامة علي نفسه في هذه الخصومة، حينئذ ما أسهل أن يتم الصلح.. فالخصم لا يحتمل أن يسمع منك عبارة:

"حقك علي. وأنا غلطان".

أو قولك له "أنا آسف جدًا، لأني آلمتك أو أحزنتك".. وكما قال الحكيم" أن "الجواب اللين يصرف الغضب" (أم 15: 6). إن كثيرًا من الذين يعاتبونك، أو غالبية الذين يعاتبونك، أو كل الذين يعاتبونك، إنما يريدون أن يسمعوا منك كلمة واحدة، تلوم بها نفسك، وتعطيهم الحق، فينتهي الموضوع عند هذا الحد. وإلا..

فإن تبرير النفس يقود إلي العناد. والعناد يشعل الخصومات.

إن الذي يلوم نفسه، لا يعاند، ولا يقاوم، ولا يخاصم، ولا يجادل كثيرا، ولا يرد علي الكلمة بمثلها أو بما هو أقسى.. إنما يسلك مسالمًا للناس، مراضيًا لخصمه مادام معه في الطريق.. (مت 5: 25)، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. إن شيطان الغضب، وشيطان الخصومة، شيطان العناد، وشيطان الكبرياء، كل أولئك يقفون في حيرة كل الحيرة أمام الشخص الذي عنده فضيلة لوم النفس، لا يعرفون كيف ينتصرون عليه. بل هم يصرون علي أسنانهم في غيظ، مهزومين أمام هذا الذي لا يبرر نفسه أبدًا، ولا يغضب من أحد ولا يخاصم ولا يصيح، وبالجواب اللين والكلمة الطيبة، وجلب الملامة علي نفسه يحل كل خصومة، ويصرف كل غضب..

إنه يعيش وديعًا هادئًا مسالمًا، يحبه الكل..

فهو لا ينازع أحدًا، ولا يسمح لنفسه أن يغضب من احد، مهما كان الحق في جانبه، لأنه يلوم نفسه قائلًا: إن غضبت من هذا الإنسان وثرت عليه، أكون قد فقدت فضيلة الوداعة، وفقدت الاحتمال الحب وفضيلة السلام مع الناس.. وأكون بهذا مخطئًا..

وهكذا يلوم نفسه لا علي أخطاء أرتكبها، إنما علي أخطاء يحذر نفسه الوقوع فيها..

وبهذا يكون حريصًا ومحترسًا، وتتقدم نفسه نحو الكمال. وهذه فائدة أخري من فوائد لوم النفس فإنه:

لوم النفس يفتح أبواب الكمال والنمو

9- يفتح أبواب الكمال والنمو

لوم النفس يساعد علي التقدم في الحياة الروحية. لأن كل شيء يلوم الإنسان نفسه عليه يحاول أن يتخلص منه، ويتنقى منه، وهكذا يتقدم في حياته الروحية وينمو.

كذلك يلوم نفسه في فضائله، مقارنًا إياها بمستويات أعلى.

كل فضيلة يمارسها، بدلًا منه.. نراه يقارن حالته بما وصل إليه القديسون في هذه الفضيلة، فيري أنه لا شيء إلي جوارهم، وأن كل ما فعله تافه وبسيط، ولا يقاس بتلك القمم العالية.. فيلوم نفسه ويدفعها إلي قدام نحو الكمال، فينمو.. وهكذا كان يفعل القديس بولس الرسول إذ يقول: ليس إني نلت أو صرت كاملًا ولكني أسمع لعلي أرك.. أيها الأخوة أنا لست أحسب نفسي أني قد أدركت، ولكني أفعل شيئًا واحدًا.. ونسأله ما هو؟ فيجيب:

أنسي ما هو وراء، وأمتد إلي ما هو قدام (في 3: 12، 13).

لا يقصد أنه ينسي الخطايا التي في الماضي، فقد كان يذكر دائمًا أنه كان مضطهدًا للكنيسة.. إنما هو ينسي كل الفضائل التي أتقنها من قبل، لكي يمتد إلي ما هو قدام، ساعيًا نحو الغرض. وفي كل فضائله كان يلوم نفسه بعبارة "لست أحسب نفسي أني قد أدركت".

لهذا السبب، كانا القديسون يعترفون بأنهم خطاة.

حقيقة واضحة ندركها كلما تأملنا في بستان الرهبان، أو سير القديسين، أو صلواتهم: يعترفون باستمرار أنهم خطاة، بل ويبكون علي خطاياهم.. ونسأل أنفسنا ماذا كانت خطايا القديسين، وهم في ذلك السمو؟ إنها ليست فقط خطايا الماضي التي غفرها الرب لهم: إنما بالأكثر، نظرهم إلي الفارق الكبير الذي بينهم وبين الكمال المطلوب، فيقول كل منهم مع الرسول:

لست أحسب نفسي أني قد أدركت (في 3: 13).

 وهكذا بلوم النفس علي حالتها، كان القديسون يمتدون نحو الكمال أما الذي لا يلوم نفسه، أو يرضي بحالته التي هو فيها، فإنه قد يعيش جامدًا مجمدًا في الوضع الذي هو فيه، لا يتحرك منه إلي قدام.،  لا يفكر في وضع أفضل، ولا يسعي إلي درجة أعلي،لأنه راض عن نفسه بما قد وصل إلية..! مثل الذي استقر علي مجموعة من المزامير يصليها، وانتهي به الأمر عند هذا الحد دون أن يفكر في إضافة شيء، ودون أن يفكر في عمق الصلاة، وحرارتها وما يمتزج بها من حب وإيمان واتضاع.. والامتداد أعلي يعمق صلته بالله أكثر..!

ليتنا في آخر هذا العام

جلس إلي ذواتنا، ونفكر في خطايانا، ونلوم أنفسنا علي عيوبنا ونقائصنا، ونقارن ما وصلنا إليه بالمستويات العليا التي وصل إليها القديسون.. ولا نعذر أنفسنا مهما كانت الظروف، بل نبعد عن تبرير الذات، لأن هذا لا يرضي الله، ولا ينقينا، ولا يقودنا إلي التوبة.. وفي كل ذلك نربط لوم النفس بفضيلة هامة جدًا وهي:

ارتباط الحكمة والإفراز بلوم النفس

ينبغي أن يرتبط لوم النفس بالحكمة والإفراز.

فلا يكون مجرد لوم ظاهري بعيد عن الاقتناع الداخلي، لأن هذه الفضيلة ليست مجرد لسان، إنما هي فضيلة قلب. كذلك ينبغي ألا يقودنا لوم النفس إلي اليأس والتعب النفسي، إنما في كل لومنا لأنفسنا نحرص علي هذا

أن يكون لوم النفس، ممزوجًا بالرجاء..

نلوم أنفسنا علي أخطائها، ونحن مملوءون رجاء في التخلص من هذه الأخطاء. ونلوم أنفسنا علي ضعفها ولنا ملء الرجاء في قوة الله العاملة معنا المعينة لضعفنا.. ونلوم أنفسنا علي ضعف مستوانا، ولكن في رجاء "نمتد إلي قدام". نقول "لست أحسب أني قد أدركت"، وفي فمنا أيضًا عبارة الرسول "ولكني اسعي نحو الغرض. اسعي لعلي أدرك "نلوم أنفسنا لأننا سقطنا. ولكن يقول كل منا

أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني (في 4: 13).

إذن قف في ختام هذا العام لكي تعد خطاياك أمام الله، وتبكت نفسك عليها أمامه، وتطلب عنها مغفرة.. وفي ليلة رأس السنة، وكلما نقول "يا رب أرحم "عددًا من المرات.. في كل مرة أذكر خطية من خطاياك، في ندم عليها، طالبًا العشار فتبرر.

قل ذلك في انسحاق قلب، وليس في روتينية أو شكلية. وأذكر العابرة التي قالها القديس الأنبا أنطونيوس الكبير:

أن ذكرنا خطايانا، ينساها لنا الله،

وإن نسينا خطايانا، يذكرها لنا الله.

أذكرها جميعًا إذن، وأطلب من الله قوة، حتى تنتصر عليها في المستقبل، وفي لوم لنفسك أذكر أيضًا إحسانات الله إليك، واشكره..

وأبدأ العام بالشكر.

مجرد أن الله أعطاك عامًا جديدًا، أمر يستحق أن تشكره عليه، لأنه أعطاك فرصة للتوبة، أو لتحسين مستواك الروحي والاهتمام بأبديتك.

في بداية العام أيضًا، أذكر إحسانات الله إليك.

تذكرها جميعًا واحدة، واشكر الله عليها. وأذكر مزمور الشكر (مز 103) الذي قال فيه داود النبي "باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل إحساناته". وتأمل أيضًا في عبارات صلاة الشكر..

ولا تشكر فقط علي إحسانات الله إليك في العام الماضي، إنما أيضًا في كل أيام حياتك. وكذلك إحساناته إلي أحبائك (1) له المجد إلي الأبد آمين.

_____

* محاضرة ألقيت في الكاتدرائية الكبرى مساء الجمعة 29/12/1977.

0 التعليقات:

إرسال تعليق