البابا كيرلس وموعد مع الرئيس
من عاصر عهد البابا كيرلس السادس والرئيس عبد الناصر يعلم يقيناً مدى قوة العلاقة التى كانت تربطهما ومتانة الصداقة التى كانت تجمعهما ، ولكن ربما ما لا يعلمه البعض أن هذه العلاقة الطيبة التى كانت بينهما لم تأتى على طبق من فضة ولكنها جاءت بعد بعض المُعاناة وهذا بسبب بعض الدسائس والشائعات المُغرضة التى قام بها البعض ضد قداسة البابا كيرلس لدى عبد الناصر ، فكانت العلاقة بينهما فى بادئ الأمر علاقة فاترة وغير مُشجعة إطلاقاً ففى بداية جلوس قداسته على كرسى مارمرقس الرسول سنة 1959 طلب كثيراً مُقابلة الرئيس عبد الناصر ليعرض عليه بعض مشاكل الأقباط وللنظر فى بعض المُضايقات التى تتعرض لها الكنيسة ليضع لها حلولاً. ولكن لم يجد أى إستجابة من الرئيس للموافقة على مُقابلة قداسته بل كانت جميع المُحاولات تبوء بالفشل ، وبعد أن تعددت البرقيات من البابا لعبد الناصر من أجل هذا الأمر إلا وقد قام الرئيس بإستدعاء وزير التموين وقتئذ الدكتور " كمال رمزى ستينو" وقال له أن يرى ما الموضوع ، ورتب الله بعد ذلك مُقابلة بين قداسة البابا والرئيس عن طريق أحد أعضاء مجلس الشعب حينئذ وكان هذا الرجل من المُحبين لقداسة البابا كيرلس بل كان صديقاً حميماً له وكان لديه أبن مريض وقد طلب هذا العضو من البابا أن يصلى لأبنه المريض لأنه كان يعرف مدى روحانية البابا وأن الله أعطاه موهبة الشفاء وإخراج الشياطين وبالفعل قد شُفى أبن هذا الرجل بعد صلاة البابا له وفى أحدى زيارات هذا الرجل لقداسته وجده فى حالة من الضيق وعلم أنه يُريد مُقابلة عبد الناصر فكانت علاقة الرجل بعبد الناصر أيضاً علاقة وطيدة وحميمة وبالفعل أستطاع أن يُرتب له موعد مع الرئيس. وقد كان وتمت المُقابلة ولكنها كانت مقابلة فاترة من جهة الرئيس وغير مُبشرة بالخير فقد تكلم الرئيس مع البابا بشكل فيه عدم إهتمام وبحدة شديدة وقد رفض تقريباً مُجرد الإستماع لقداسته مُردداً بعض العبارات مثل " هما الأقباط عايزين أيه، هما كدة كويسين ، أحنا لسة هانتكلم" ورغم ذلك حاول قداسة البابا أن يمتص غضب الرئيس بإبتسامة لتهدئته حتى يطلب منه ما جاء لأجله ولكن مع إصرار عبدالناصر على عدم الإهتمام أو الإستماع لقداسته أضطر البابا أن ينسحب وينهى المُقابلة دون أن يطلب شيئاً من مطالبه وخرج غاضباً وقال لعبد الناصر " منك لله ، منك لله "وكانت الزيارة غير مُجدية أو مُثمرة فخرج البابا مُتأثراً لما حدث وذهب إلى الصلاة فقد أشتهر قداسته بلقب " رجل الصلاة" وبعد أن صلى العشية كعادته وطلب من الله المعونة والتدخل فى الأمر إلا وكانت إستجابة الله لصلاته سريعة وجلية وفى منتصف ليل نفس ذات اليوم لتلك الزيارة جاء عضو مجلس الشعب الذى دبر الزيارة لقداسته. أقول قد جاء مُهرولاً قاصداً قداسته وقال لتلميذ قداسته وهو الأستاذ "سليمان" حينئذ والذى أصبح فيما بعد نيافة الأنبا مينا أفا مينا رئيس دير مارمينا بمريوط "المُتنيح" فقال له أنه يُريد مُقابلة البابا الآن ولكن أعتذر تلميذ البابا مُعللاً له بأن الوقت مُتأخر وقداسته نائماً وأنه لا يستطيع أن يُقلقه ويوقظه فعرض عليه النائب أن يطرق على باب حجرته مرة واحدة وإن لم يفتح سيمضى وقبل أن يطرق التلميذ باب غرفة قداسته إلا وقد خرج قداسته وهو يرتدى ملابسه كاملة مُستعداً ومُتأهباً للخروج معه لمقابلة عبد الناصر فى منزله وقد عرف البابا بشفافيته المعهودة عنه أن عبد الناصر يطلب مُقابلته لذلك أستعد قبل أن يطرق عليه التلميذ باب حجرته ، ووصلوا لمنزل عبد الناصر الذى كان مُستعداً للقاءه وطلب عبد الناصر من قداسته الصلاة لأبنته المريضة والتى أشتد عليها المرض فى تلك الليلة ولم يفلح الأطباء فى علاجها فدخل قداسته لغرفة أبنة الرئيس وصلى لها فترة من الوقت فشُفيت فى الحال. ومن هنا بدأت نقطة التحول بين الرئيس والبابا وبدأت العلاقة بين قداسة البابا وعبد الناصر تأخذ شكل آخر وتُبشر ببداية عهد جديد فتحولت العلاقة من الفتور وعدم الإهتمام إلى الترحاب الشديد والمحبة الصادقة بينهما حتى قال الرئيس لقداسته " "من النهاردة تأتى إلى منزلى فى أى وقت وليس فى القصر الجمهورى وأنا من النهاردة هاأقولك ياوالدى" وبالفعل من ذلك الحين أصبح قداسته يزور الرئيس فى أى وقت يشاء والجدير بالذكر أن فى إحدى هذه الزيارات وضع قداسته يده المُباركة على صدر الرئيس عبد الناصر فقال له الرئيس بإبتسامة" أنا كنت أشعر بألم شديد فى صدرى ولكن عندما وضعت يدك على مكان الألم شعرت بإرتياح" وشكر الرئيس قداسته وأعرب له عن إمتنانه فقال له قداسة البابا أنا أضع يدى على يد الرب لأن الكتاب المقدس به آية تقول " أن يد الرب على قلوب الرؤساء " وشُفى عبد الناصر من آلام الصدر . والجدير بالذكر أيضاً : أن الرئيس كان يودع ضيوفه إلى باب الصالون بخلاف قداسة البابا والذى كان يودعه إلى باب السيارة مما لفت نظر أبنة عبد الناصر لمحبة والدها المُميزة لقداسته ، ويُذكر أيضاً أن أبناء عبد الناصر تبرعوا بمبالغ مالية كانوا قد أدخروها من مصروفهم الشخصى وأعطوها لقداسة البابا فأخذها منهم بُناء على رجاء من الرئيس بأن لا يحرجهم ويقبل منهم التبرع بهذه المساهمة البسيطة وقال له الرئيس "أنا علمت أولادى أن من يتبرع لبناء كنيسة كمن يتبرع لبناء مسجد" فوافق قداسته وأخذ منهم التبرع ووضعه فى تعمير دير مارمينا بمريوط وهكذا أصبحت العلاقة بين الرئيس والبابا ، والذى أستمرت على هذا النحو إلى أن توفى الرئيس ، وقد حزن البابا كثيراً لرحيله ، وهذا يذكرنا بزمن جميل نفتقده فى وقتنا الحالى . وتنيح قداسته فى 9 مارس 1971 وتوقفت ساعة يده على وقت نياحته ولكن لم تتوقف مُعجزاته حتى الآن والجدير بالذكر أيضاً أن أطول نعى كان لقداسته وأستمرولا سيما بجريدة الأهرام أكثر من ستة أشهر ويليه نعى الرئيس عبد الناصر من حيث " طول فترة النعى" ومن أهم أعمال قداسته والتى حدثت فى حبريته أى فى عهده. • التعمير الذى شمل أديرة وكنائس كثيرة وأشهرهم دير الأنبا صموئيل المُعترف بجبل القلمون والذى كان رئيساً له لفترة من الزمن أثناء الرهبنة. • بناء أكثر من 22 كنيسة وأشهرهم كنيسة مارمينا بمصر القديمة . • بناء دير مارمينا الأثرى بمريوط . • وضع حجر الأساس للكاتدرائية المرقسية بالعباسية وقد تم إفتتاحها سنة 1968 وقد شارك عبد الناصر فى إحتفال إفتتاح الكاتدرائية رغم أنه كان مريضاً وقتئذ كما حضر هذا الإحتفال الأمبراطور هيلاسلاسى إمبراطور أثيوبيا حينئذ والذى كان يَكن كل محبة لقداسته بل عندما كان يزور البابا بلاد أثيوبيا كان يستقبله الإمبراطور إستقبال الملوك والرؤساء . • عودة رفات كاروز الديار المصرية مار مرقس الرسول إلى مصر وأستقبله بنفسه فى المطار. • تجديد وترميم الكنيسة المرقسية القديمة بكلوت بك " المقر البابوى حينئذ" والذى قضى قداسته فيها مُعظم حبريته. • عمل الميرون المقدس. • سيامة عدد كبير من الأساقفة منهم قداسة البابا شنودة الثالث والذى تم سيامته كأسقف للتعليم . ومن أهم الأحداث فى عهده ظهور السيدة العذراء مريم بكنيستها بالزيتون سنة 1968 تكريماً لهذا الرجل الذى طالما أحب الجميع وكان يُصلى من أجل الجميع فكان يقصده جميع المصريين أقباط ومُسلمين ولم يخذل أحد أبداً بل كل من ذهب له طالباً الصلاة من أجل الشفاء من مرض أو إخراج أرواح شريرة كان ينال مُراده ولم يُفرق فى ذلك بين الأقباط والمُسلمين بل تعامل مع الجميع كأبناء فكان وطنياً من الطراز الأول وعلم أبنائه الإنتماء لوطنهم والإلتفاف حول الكنيسة ولاسيما كان ذاك الوقت ملئ بالفتور الروحى والبعد عن الكنيسة فينفعنا الله بصلاته لصالح مصر وأبنائها أقباط ومُسلمين حتى تخرج مصر من هذه المرحلة الحرجة لأنه مازالت تُصنع المُعجزات بأسمه لمن يطلب صلاته وشفاعته حتى بعد إنتقاله.بقلم: حنان بديع ساويرس
المصدر :
0 التعليقات:
إرسال تعليق