بمناسبة رحيلة عن عالمنا - حوار مع الدكتور القس منيس عبد النور حول وحدة الكنيسة
ويل للكنيسة التي تتباهى بأنها أصلح وأفضل من الكنائس الأخرى.
في كنيسة قصر الدوبارة
لم أندهش عندما علمت رفض أعضاء كنيسة قصر الدوبارة بإصرار طلب راعيهم من التقاعد لظروف صحية، وتأجيلهم هذا القرار لعدة سنوات، وعندما أصر الراعى على تقاعده قوبل قراره بحزن شديد من الجمعية العمومية لكنيسة قصر الدوبارة. حتى أن مجلس الكنيسة أصر على حضور رئيس السنودس (المجمع الانجيلى) لإعلان قبول هذا القرار تهدئة لمشاعر أعضاء الكنيسة. فسيظل القس منيس عبد النور رمزا يُحتذى به فى رعاية الكنيسة وفتح أبوابها للجميع بلا تفرقة. وهو الرجل المحبوب من كافة الطوائف المسيحية. من هنا تأتى أهمية هذا الحوار مع هذا الرجل الأمين الذى تعجز الكلمات عن وصفه، يكفى أنه فى موقف لا يُحسد عليه سلم راية الرعاية لمن يخلفه (القس سامح موريس) راضيًا مرضيًا ، وأفرز جيلا جديدا من الخدام قادرين على حمل المسئولية من بعده.
وفي هذا الحوار ، الذى نركز فيه على قضية "وحدة الكنيسة هل هى ممكنة" خاصة بعد انتهاء يوم الصلاة العالمى الأحد 12-5 -2008 والذى شارك فيه جموع المسيحيين طالبين الوحدة المسيحية-باستثناء الكنيسة الأرثوذكسية- فنتابع فيه سيرة مختصرة لحياته وبداية دعوته للخدمة والصعاب التى قابلته
وقصة خدمته في إذاعة حول العالم؟
وتعليقه على صراع الأجيال في الكنيسة؟
وسر تفرد وتميز كنيسة قصر الدوبارة؟
ورده على الاتهامات الموجهة للكنيسة؟
وحال الكنيسة في مصر، هل يرضي عنه؟
وهل الوحدة المسيحية ممكنة أم أنها درب من الخيال؟
ولماذا الكنيسة منقسمة اليوم وهناك تعدد فى الطوائف المسيحية؟
وكيف يمكن لنا كمؤمنين مسيحيين أن نتعامل مع الانشقاقات التى تحدث فى الكنيسة؟
ولماذا لم يهاجر إلى أمريكا رغم حصوله على الجرين كارد؟
ورده على شائعة حصوله على جائزة عالمية عن أحداث الكشح الأخيرة..
وغيرها من الأسئلة.
الدكتور القس/ منيس عبد النور في سطور:
• من مواليد محافظة أسيوط في 22/10/1930.
• متزوج من السيدة/ نادية أرسانيوس منذ 1950 ولديه الدكتور/ فريد والدكتورة/ فيوليت.
• لديه 6 أحفاد: إيمان وأمير (ماهر فؤاد)، وديفيد ونادية ونوال ودانيال (فريد منيس).
• نال اختبار التجديد في جمعية خلاص النفوس بأسيوط في 14 ديسمبر 1945 في اجتماع الطلبة من خلال خدمه الأخ/ رزق جاد الله.
• أطاع دعوة الله له ليكون قساً ودرس اللاهوت بكلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة.
• عقب تخرجه عمل راعياً للكنيسة الإنجيلية بنزلة حرز لمدة عشر سنوات.
• حصل على دبلوم من كلية اللاهوت بمصر في 1949.
• حصل على ماجستير في اللاهوت التربوي من كليه ببلكن بنيويورك في عام 1957.
• حصل على دكتوراه فخرية من كليه هبتون بأمريكا في مايو 1989.
• شارك في تقديم العديد من البرامج الإذاعية بإذاعة حول العالم.
• عمل رئيساً لتحرير المناهج الدراسية للهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية لمدة خمس سنوات.
• عام 1959 أسس مع القس صموئيل حبيب والقس أمير جيد مجلة أجنحة النسور .
• خدم راعياً للكنيسة الإنجيلية بالزقازيق من عام 1965.
• في عام 1976 أصبح راعياً للكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة.
• قام بتدريس مادة مقارنة الأديان بكلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة منذ عام 1966.
• قدم برامج إذاعية منذ عام 1976.
• أذاع بالراديو 312 حديثاً للشباب بعنوان كلمة معك. وأذاع 156 حديثاً بعنوان حياة المسيح و156 بعنوان شخصيات الكتاب المقدس و156 حديثاً بعنوان أنت تسأل ونحن نجيب و156 حديثاً بعنوان شبهات وهمية حول الكتاب المقدس.
• أذاع في التليفزيون سات 7 و METV أكثر من 150 حلقة لبرامج روحية عن معجزات وأمثال وحياة السيد المسيح.
• ألف وترجم أكثر من مئة كتاب باللغة العربية.
• تُرجمت ونُشرت له بعض من مؤلفاته باللغة الإنجليزية.
• نال عام 1994 جائزة تقدير من معهد هجاي للخدمة المتميزة.
• نال جائزة الإيمان من الكنيسة اللوثرية بفنلندا عام 1997.
• نال جائزة الدفاع عن حقوق الإنسان من واشنطن عام 1999.
• زار بلاداً كثيرة حول العالم للخدمة والكرازة وإلقاء المحاضرات في أفريقيا وآسيا وأوربا والدول العربية.
• حضرة القسيس/ منيس... دعوتك للخدمة متى وكيف بدأت؟
بعد اختبار تجديدي بيومين في يوم الأحد 14 من ديسمبر 1945. كنت في كلية الأمريكان بأسيوط، في ملعب كرة القدم وذهبت إلى شجرة في نهاية الملعب لأركع وأصلي تحتها وإذا بصوت الرب يدعوني للخدمة. وقد كنت وقتئذ أريد أن أصبح كيماوياً، خاصة وأنه في عام1945 حدث أن انقسمت الذرة. كان الكتاب المقرر في ماده الكيمياء وقتها كان يقول أن الذرة لا تنقسم فتمنيت أن أكون ذا شأن في هذا المجال، لكن الرب أعطاني شرفاً أكبر وهو أن أنقل رسالة المسيح للناس، كيماويات وأساسيات حياتهم.
• ما هى الصعوبات التى واجهتك في بداية خدمتك؟
في البداية أصدقائي لم يريدوا أن أدخل كلية اللاهوت حتى لا أواجه متاعب الخدمة كما أن اللجنة المشكلة لقبول طلبة اللاهوت في ملوى في ذلك الوقت اعتبروا أن صغر سني يحول دون التحاقي بالكلية لكن أحد القسوس هو (القس طانيوس زخارى) أقنع اللجنة أنى لو اتجهت اتجاهاً آخر لربما تضعف حياتي الروحية فلا أعود لطلب دراسة اللاهوت.
وهناك صعاب عامة يقابلها كل خادم يحاول توصيل رسالة المسيح للناس فهو يخطف نفوساً من قبضة إبليس فلابد أن يقاومه إبليس وجنوده.
• ما هى الكنائس التى خدمت فيها طوال مشوارك الحافل؟
أثناء دراستي في كلية اللاهوت في الصيف التالى للسنة الأولى خدمت في مدينة الحوانكة (أسيوط) وقد أكرمنا الرب بتجديد 67 شاباً سلموا حياتهم للمسيح، وكنا نعقد اجتماع صلاة كل يوم لمده ساعتين. وخدمت في الصيف التالى في نزله حرز (المنيا) لمدة 4 شهور . ثم عدت إليها بعد تخرجي من يونيو 49 إلى سبتمبر 60 وفى أكتوبر 60 وحتى فبراير 65 عُينت رئيس تحرير مطبوعات سنودس النيل الإنجيلي وقمت بمراجعة الكتب التى تصدرها دار النشر السنودسية، كما أشرفت على تحرير مجلتي رسالة النور وأجنحة النسور. وفى فبراير 65 قبلت رعوية الكنيسة الإنجيلية بالزقازيق حتى آخر أبريل 76. وفى مايو 76 بدأت رعاية الكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة.
• ما هى قصتك مع إذاعة حول العالم بمونت كارلو؟ ومتى وكيف كانت البداية؟
تعرفت على الأستاذ عدلى فام مؤسس القسم العربي بإذاعة حول العالم سنة 54. فقد زارني في نزلة حرز ووعظ من منبري وعندما أشرف على التعاقد رشحني لكي أكون شريكاً معه في الإذاعة، فاتصلوا بى في أواخر عام 74 لكى أبدأ حديثاً للشباب تحت عنوان "كلمة معك" وبدأت إذاعة البرنامج في 4 سبتمبر 76 واستمر مدة 20 سنة. وتوقفنا الآن، لأن الرصيد المطلوب لدفع حساب الإذاعة لم يكن متوافراً. وقد كانت تذاع خمسة برامج أسبوعياً، وحالياً تقتصر على برنامجين.
• في ظل انتشار وسائل المعلومات المتقدمة من الإنترنت والفضائيات. هل ما زال للإذاعة دور محورى في الكرازة بالإنجيل؟
لا زال للإذاعة دورها المتميز والمؤثر فهى أسهل فى الاستقبال من التليفزيون، لأن الراديو يمكن نقله إلى أى مكان بسهولة. وبعض الأفراد يقومون بتسجيل برامج الإذاعة وعندما لم نتمكن من تقديم برامج الإذاعة في أول الليل وأعطونا وقتاً في الفجر، خسرنا مستمعي الليل لكن كسبنا مستمعين جُدُداً ووصلتنا رسائل من سائقي الشاحنات الكبيرة الذين يسافرون في الفجر يشكروننا على هذه البرامج. إن كلمه الله لا تقيد. والله لا يترك نفسه بلا شاهد.
واستخدام الراديو والتليفزيون والانترنت في نشر الرسالة واجب، فليست الوسيلة شراً ولا خيراً في ذاتها لكن من يستعملها هو الذي يجعلها شراً أو خيراً. وسائل الاتصال الحديثة تشبه الخمر فهى كمادة ليست شراً في ذاتها لكنها قد تكون عاملاً في تركيب أدوية عديدة أو عاملاً على الخلاعة. واستعمال الإنترنت يمكن أن يكون للأذى أو للبركة وهذا متروك للاستعمال الشخصي. والرب يسمح للإنسان بحرية إرادة كاملة فهو الذى يؤذي نفسه أو ينفع نفسه.
• حال الكنيسة في مصر، هل أنت راضٍ عنه؟
لا يمكن أن أرضى عن حال الكنيسة بأى حال مهما سمت. لقد ربحت الكنيسة الأولى فى يوم الخمسين ثلاثة آلاف نفس، ومع ذلك كان فيها مشاكل توزيع الطعام. الكنيسة دائماً بها عيوب كما نجد الزوان في وسط الحنطة، فلو رضينا بحالنا كما هو لما تقدمنا.
• حضرة القسيس حوارانا سنركز فيه حول قضية الوحدة المسيحية التى يُصلى من أجلها كثير من المسيحيين منذ سنين عديدة. فى رأيك هل تعتقد أن الوحدة المسيحية ممكنة أم أنها درب من الخيال؟
الوحدة المسيحية لازمة وممكنة، فلم يأتِ المسيح من السماء ليؤسس عدة كنائس وطوائف، لكنه جاء ليؤسس كنيسة واحدة. وقد قال لبطرس: "وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (متى 18:16). وفي إنجيل يوحنا نقرأ: "...ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد" (يوحنا 52:11).
فكأن هدف مجيء المسيح من السماء هو تأسيس كنيسة واحدة، يجتمع فيها المتفرقون في وحدة واحدة تشابه وحدة المسيح مع الآب، تلك الوحدة التي صلى المسيح من أجلها قائلاً: "ليكونوا واحداً كما نحن" (يوحنا 11:17).. وهي وحدة مطلقة لا تنحلّ ولا تضعف ولا تنفصم.
ولقد أرسى بولس الرسول قواعد علم اللاهوت للكنيسة، وهو يقول بصدد وحدة المؤمنين: "جسد واحد، وروح واحد، كما دُعيتم أيضاً في رجاء دعوتكم الواحد. رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة، إله وآب واحد للكل، الذي على الكل وبالكل وفي كلكم" (أفسس 4:4-6).
وهل يستطيع الجسد أن يحيا وهو متناثر الأشلاء؟ وهل نقول إن الجسد متحد بالروح وهو ممزق الأوصال؟!
إن من يقرأ ما فعله بولس الرسول من أجل وحدة الكنيسة يقف مذهولاً من تفكير هذا الرجل العملاق وتصرفاته.
لقد كانت هناك اختلافات لاهوتية هامة في العقيدة، ولكن بولس الرسول لم يحسبها سبباً لعمل انقسام في الكنيسة.. بل نراه يتنازل بعض الشيء عن بعض أفكاره من أجل وحدة الكنيسة! وقد يبدو هذا الكلام غريباً للذين يتمسكون اليوم ببعض الأفكار اللاهوتية غير الرئيسية، ويصرون على تمزيق جسد المسيح وإعطاء العالم صورة محزنة للكنيسة!
والخلاف الأكبر الذي نشأ في الكنيسة الأولى لم يكن تافهاً حتى يتغاضى بولس الرسول عن رأيه فيه.. لكن الواقع أنه حسب وحدة الكنيسة أهم بكثير من التزمت في عقيدة.
وقصة الخلاف كما هو معروف كانت تدور حول التمسك بالناموس اليهودي مع تقاليده أو إهماله. وقد أصرّ اليهود على أن الوثنيين المقبلين إلى الإيمان المسيحي ينبغي أن يحفظوا كل تقاليد اليهود من ختان وغيره. ورأى بولس الرسول غير ذلك، وأعلن أن الوثنيين الذين يؤمنون بالمسيح يتمتعون بكل امتيازات المسيحية دون الحاجة إلى الدخول من باب التقاليد اليهودية.
• حضرة القسيس لماذا الكنيسة منقسمة اليوم وهناك تعدد فى الطوائف المسيحية؟
أي دارس لتاريخ الكنيسة يلمس أن معظم الانقسام جاء بسبب الكبرياء الشخصي، ونتيجة الاختلافات السياسية! فهل نحيا نحن اليوم في الحالة التي أوجدتها الكبرياء والسياسة، ونرضى بحياة الكنيسة التي نتجت عن خطية بل خطايا؟ وهل نقول إن وحدة الكنيسة روحية، ونترك انقساماتنا المخزية وتفرقاتنا المحزنة تنخر في عظام شهادتنا لمخلصنا؟!
ألا يضحك العالم علينا ونحن نحدثه عن السلام الذي يحلّه الإنجيل، ولا سلام بين طوائفنا التي تتناحر؟!
ألا يلمس غير المسيحيين أننا ننهش بعضنا بعضاً حتى نكاد نفني بعضنا بعضاً.. ثم يسمعون مواعظنا عن المحبة والاتحاد وجسد المسيح الواحد؟! وإذا بصوت أعمالنا يعلو بما لا يُقاس عن صوت أقوالنا؟!
إن كان المسيح قد مات ليخلصنا من خطايانا وليجمعنا إلى واحد، فهل نقول إن انقسامنا هذا مجرّد مظهر خارجي ولكن الواقع أننا واحد؟! أليس هذا التناقض بعينه الذي يفضي إلى المغالطة وتشويه الحقائق؟!
ولنفرض جدلاً أن وحدة الجسد الواحد تتوقّف على الحياة التي تسري فيه، فهل يمكن لهذه الحياة الواحدة أن تهب أعضاء الجسد المنفصلة الممزّقة حيوية ونشاطاً؟!
هل يمكن أن تكون الكنيسة واحدة بطبيعتها، دون أن تكون متحدة في الظاهر؟ أليس هذا إنكاراً لطبيعة الوحدة؟!
• ألم يصف الرسول بولس الكنيسة بالجسد المتعدد الأعضاء؟ لماذا لا نقبل التعدد والاختلاف بين الطوائف المسيحية ما دام هناك قبول ومحبة؟
لا أنكر أن في الكنيسة اختلافاً، وهذا واضح من وصف الكنيسة بالجسد مثلما ذكرت فى سؤالك، فأعضاء الجسد ليست كلها واحدة في شكلها ولا في عملها. ويقول بولس الرسول: "وأما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفراداً" (1كورنثوس 27:12). وعلى نفس القياس نرى في الكنيسة أنواع مواهب متعددة، ولكن الروح القدس الذي يعطيها واحد.. وفي الكنيسة أنواع حياة موجودة، لكن الله واحد وهو الذي يعمل الكل وفي الكل.. وكل خدمات الكنيسة يعملها الروح الواحد بعينه قاسماً لكل واحد بمفرده كما يشاء.
ولا يستطيع عضو من أعضاء الجسد الواحد أن يقول لأي عضو آخر أنه في غير حاجة إليه، بل الواقع أنه لا يقدر أن يستغني عنه. والمسيح رأس الجسد لا بد أن يشعر بألم توقف أعضائه عن العمل المنسجم والمنسق معاً. إنه إذ يصدر أمره إلى أجزاء الجسد ينتظر أن يعمل كل جزء منها عمله، حتى يتم العمل النهائي المقصود.
فإذا حدث أن الكنائس تخاصمت معاً، واستمرت في خصامها المؤلم، فإن الخسارة العامة تكون جسيمة ومؤلمة!
وحين يتكلم الرسول بولس عن التنوّع في المواهب الروحية، يمضي ليقول: "جدوا للمواهب الحسنى، وأيضاً أريكم طريقاً أفضل". ثم يتكلم عن المحبة التي تحتمل كل شيء ولا تطلب ما لنفسها، وتصبر على كل شيء".
• هل يعنى هذا أن تصبح الكنائس المسيحية كلها كنيسة واحدة من طائفة واحدة اسمها الكنيسة المسيحية؟!
الجواب الصريح حسب التعاليم الكتابية الواضحة كما أراه هو "نعم"! ولا يعني هذا أن يكون نظام العبادة أو الإدارة واحداً في كل الكنائس. الله قد خلق الكنيسة واحدة في طبيعتها لأنها هي جسده، وعلى الكنيسة عموماً أن تدرك هذه الوحدة وتهدف نحوها. ولا نستطيع أن ندرك الوحدة المسيحية بتنظيمات بشرية، ولكننا نقدر أن نجعل هذه التنظيمات أداة في يد المسيح بالروح القدس لتتوحّد الكنيسة.
وقد يكون أن توحيد الكنائس جميعاً في كنيسة واحدة أمر عسير، ولكن علينا أن نبدأ من حيث نحن ونسير نحو هذا الهدف المقدس.
في تقرير مؤتمر "الإيمان والنظام" الذي انعقد بالسويد عام 1952 جاء فيه:
"...إن الوحدة هي الأمر الطبيعي، أما الانفصال فهو الأمر الشاذ المعثر بغض النظر عن المنافسة التي فيه".
أنا لا أقول أن الكنائس المنفصلة يجب أن تعمل معاً وكأنها واحدة، ولكننى أقول إن هذه الكنائس يجب أن تعترف بأنها واحدة رغم الانقسامات الموجودة بينها.. وواجبنا يدعو إلى مداومة الانتباه وامتحان النفس حتى لا يتبع أحد طريق الانفصال، الذي هو الطريق السهل.
وعلى كل كنيسة في كل مرة تقوم فيها بمشروع جديد أن تسأل نفسها عن المبررات اللاهوتية والواقعية التي تبرر قيامها بهذا المشروع منفصلة عن الكنائس الأخرى.. ويجب أن تثابر على تدريب نفسها على ممارسة هذا الأمر حتى يصبح الأمر عادة عندها.. ومن الضروري أن نفحص نفوسنا جيداً ونحن نورد مبررات الانفصال.
• حضرة القس / منيس ...تتعرض الكنيسة المسيحية اليوم وعلى مر الدهور لعدد من الانشقاقات الداخلية، كيف يمكن لنا كمؤمنين مسيحيين أن نتعامل مع الانشقاقات التى تحدث فى الكنيسة؟
نحتاج كمسيحيين قبل كل شىء إلى التوبة والندامة الشديدة لأجل الانشقاقات في الكنائس. ويل للكنيسة التي تتباهى بأنها أصلح وأفضل من الكنائس الأخرى! ويل للواعظ أو الكاهن الذي يحاول ربط خراف المسيح بشخصه هو، ويُفسدهم باستكباره وتحّزبه، فيضرّهم ضرراً بليغاً، ويضر قضية المحبة المسيحية! لا يوجد إنسان، لا كاهن ولا أسقف ولا مبشر يُعتَبر مهماً أو كبيراً، فالجميع عملوا ما كلَّفهم الله أن يعملوه، لكن المجد كله يرجع إلى الله. كافح بولس لأجل المحبة والتغلُّب على الانشقاقات في الكنيسة. ثم كافح لأجل نقاوة التعليم، لأن الكنيسة المنشقة هي ضد مبدئها الأساسي. في جهودك لتوحيد المؤمنين بالمسيح لا تستعمل التفاهم السطحي، أو الموافقة التافهة المبنيَّة على أكاذيب بشرية، بل انظر إلى سر فاعلية الروح القدس في المؤمنين، فهو الذي يملك فيهم بروحه، لأنه يسكن فيهم، وهو الذي يوحّدنا. ليس مهماً أن تكون أرثوذكسياً أو كاثوليكياً أو إنجيلياً أو مارونياً أو سريانياً أو أرمنياً. المهم هو إيمانك الذي يربطك مباشرة بالمسيح الذي طهَّرك وثبَّتك في نفسه كما يثبت الغصن في الكرمة. وروح المسيح هو عصير الكرمة الذي يوحّد الجميع ويعلّمك التواضع لتحب كل الإخوة والأخوات المجتمعين حول صليب المسيح مخلّصهم الوحيد. فمن لا يحب المسيح المصلوب لا ينتمي لكنيسة المسيح.
• تعانى الكنيسة من صراع بين الكبار والصغار ويسميه البعض بصراع الأجيال. في رأيك كيف يمكن أن نضيّق هذه الفجوة؟
أعتقد أنه لابد أن يكون هناك واعظ للكبار وواعظ للشباب. وعلى الواعظ كبير السن أن يعطى فرصة لواعظ الشباب كما يعطى حرية للشباب. وهذا لا يهدد الواعظ الكبير بل يضيف إليه، لأنه يسلم لأجيال أخري "وما سمعته منى بشهود كثيرين أودعه أناساً أمناء يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضاً" (2تى 2:2)
الكبار يحتاجون أن يستمعوا بأسلوب يتناسب عمرهم الكبير ويحتاج الشباب أن يستمعوا لواعظ يكلمهم بأسلوب شبابي. لابد من فجوة الأجيال، فعلى الواعظ الكبير أن يوجد من يكلم الشباب بأسلوب شبابي لتبقي الكنيسة حية.
• لماذا نجد في معظم الكنائس المسيحية مركزية الراعي، ولا يتواجد أو يعطى فرصة للصف الثاني؟
لهذا يموت الراعي وتموت الكنيسة، وتستخرج شهادة وفاة الراعي والكنيسة التى سبقته في الوفاة. لقد كان هذا أسلوب الرب يسوع في القيادة، ففي مدة خدمته ثلاث سنوات وثلث اختار 12 تلميذاً وأرسل 70 رسولاً ليكرزوا. لقد قام المسيح بالتكليف الكبير " تكونون لى شهوداً" وليس "تكون لى شاهداً".
أعتقد أن القس الكبير يخاف من التهديد لكن لا يوجد أحد يهدد شخصاً واثقاً من تقديم رسالة الإنجيل، فتقديم رسالة الإنجيل مثل برج الحمام، فأنت تنثر الحبوب فيأتي الحمام يتغذى. فإذا وجُد الغذاء جاء الحمام، وإذا لم يوجد الغذاء لن يأتي الحمام، فمن مصلحة الخادم العجوز أن يستعين بشخص أصغر منه في العمر. مرة أخرى أؤكد أن هذا لا يهدد الكبير بل يُبارك الكبير والصغير. فكلما كبر الصغير زاد احترامه للكبير. إلا إذا كان الكبير لم يعطيه القدوة وظلمه.
• ما سر تفرد وتميز كنيسة قصر الدوبارة ودورها المحورى في مصر والشرق الأوسط؟
من ناحية إدارية:
دور الفريق الواحد: فنحن فريق متحاب فالقيادة عندنا ليست فردية لكنها لا مركزية.
تدريب القادة: القائد لدينا يدرس لمدة سنتين حتى يكون قائداً لمجموعة.
من ناحية روحية:
الكنيسة مصلية: من قبل أن أقوم برعاية الكنيسة، وهى تعتبر كنيسة مصلية. ونقوم بتطوير اجتماع الصلاة. وهو يعقد الآن مساء يوم الاثنين من كل أسبوع. وهو مفتوح لجميع المتشوقين للصلاة من كل مكان.
الكنيسة كارزة: الراحل القس إبراهيم سعيد الراعي الأول لهذه الكنيسة كان كارزاً. لم يكن يقدم عظة مهما كان موضوعها خالية من دعوة خلاصية.
• هناك اتهام موجه لاجتماعات كنيسة قصر الدوبارة بأنها اجتماعات (أوبن بوفيه) ألا تخشي أن تفقد الاجتماعات هويتها وانتماءها؟
أولاً: كنيسة قصر الدوبارة كانت دائماً "كنيسة بلا جدران" فهى كنيسة في أكبر ميدان، فليس لدينا كنيسة رعوية بمعناها الضيق يهتم فيها الراعي بقطيع محدود بل هى كنيسة الشارع المصري الواسعة.
ثانياً: الاهتمام ليس بالمشيخية أولاً لكن بالكرازة بالإنجيل، فالكرازة تربط الكنائس بينما تقسم العقيدة الكنائس. فلا خوف لدينا من الاجتماعات المفتوحة "فالأوبن بوفيه" بركة وليس انتقاداً، ومن يزعل منا عليه أن يسأل لماذا لدينا "أوبن بوفيه" ناجح ولماذا لديه هو وليمة قام بإعداها فرد واحد وينقصها المدعوون!
• اتهام آخر موجه للكنيسة أنها (تخطف) المؤمنين من الكنائس الأخرى، فمثلاً عندما تسأل أحد المقيمين في منطقة شبرا الخيمة أو حلوان(كمثال) عن الكنيسة التى يُصلى فيها يُجيب (قصر الدوبارة) ألا توجد كنائس في هذه الأماكن ليصلوا فيها؟
لا يُسأل في هذا قادة كنيسة قصر الدوبارة بل يوجه السؤال إلى المسئولين في الأماكن التى ذكرتها.
الشارع مملوء بأشخاص كثيرين لا يذهبون للصلاة في أى مكان فليفتشوا عنهم أولاً!!
• ما هى آخر أخبار قطعة الأرض التى تريد الكنيسة أن تشتريها؟
خسرنا القضية مرتين في (الابتدائي والاستئناف) وأعتقد أن القاضي لم يكن مستنيراً. لكن كما قال يوسف لأخوته: "أنتم قصدتم لى شراً أما الله فقصد به خيراً" (تكوين 20:50) أنا لا أرى الخير الذي قصده الرب كما لم يره يوسف وهو في السجن. نحن نعمل مع صاحب أكبر سلطان إذا أراد قطعة الأرض سيأخذها وإذا لم يرد سيتركها.
• ما هى رؤيتك لكنيسة قصر الدوبارة في المستقبل؟
رؤيتى أن زملائي يزيدون وأنى أنا أنقص. وأن تسير الكنيسة بنفس روح الوحدة والصلاة. وأشكر الله أن في الكنيسة أكثر من قائد، لذلك فالكنيسة ستسير أفضل مما كانت في عهدى وليكن مجد البيت الأخير أعظم من مجد البيت الأول.
• منذ متى بدأت الاهتمام بالقراءة والكتابة في الأمور الدفاعية؟
بدأت عندما التحقت بكلية اللاهوت في أكتوبر 46 وزاد اهتمامي بها عندما سافرت إلى أمريكا سنة 56 وكتبت رسالة الماجستير عن "الكرازة للأصدقاء في مصر".
• يتهم البعض الكتاب المقدس بحدوث تحريف فيه.. فما ردك على هذا الاتهام؟
الذي يُحرف كتاباً مقدساً أوحى الله به يهاجم كل كتاب مقدس آخر. هذا حجر يمكن أن يُرمى به كل كتاب آخر لأن الله وعد في التوراة والإنجيل بحفظ ما أعلنه فلو أنه سمح لبشر مخلوق أن يغير ما أعلنه الله، فكل من يقول أن كتابه موحي به من الله يكون كتاباً قابلاً للتغيير. الله ووحيه لا يتغيران.
• يقول البعض أن دعوة المسيح دعوة عنصرية، بمعنى أنها لليهود فقط وليس للأمم نصيب فيها، ويدللون على ذلك بقول المسيح: "لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" (متى 24:15) فما هو تعليقك؟
جاء في (رومية 1) قول الرسول بولس أن الخلاص هو "لليهودي أولاً ثم اليوناني". الفكرة هنا أن تبدأ الكرازة لمن لك معه أرضية مشتركة، وبعد ذلك تصل إلى من ليس لك معه أرضية مشتركة. كانت البداية مع هذه المجموعة من اليهود الذين كانوا ينتظرون مخلصاً هو المسيح، فمن السهل أن تدعوهم قائلاً: "المخلص الذى تنتظرونه قد جاء" بخلاف وعظك في مكان آخر مثل أثينا، فيقولون عنك أنك تهذي. فالطبيعي أن تذهب لمن لديه إيمان بالخلاص والقيامة لتكسب منه شخصاً يعطيك قوة ويكون كارزاً معك، بعد ذلك تذهب لمن يرفض المبادئ الإيمانية الأساسية. فدعوة المسيح ليست دعوة عنصرية لكنها استراتيجية للخدمة.
• ما هو أول وآخر كتاب قمت بتأليفه؟
أول ما كتبت كان سنة 54 تحت عنوان "هل قبلتم روح القوة؟" وآخر كتاب "الشريعة المسيحية.. تأملات في الموعظة على الجبل".
• ما هو تعليقك على ما نشر في مجلة روزاليوسف القاهرية عن حصولك على جائزة عالمية عن أحداث الكُشح الأخيرة؟
هذا لم يحدث. أنا أخذت جائزة اعترافاً بدفاعي عن حقوق الإنسان عام 99 في واشنطن مع مجموعة وليس عن أحداث الكُشح؟ الصحافة غير دقيقة فلو كان أحد سألني لقلت له الحقيقة، وقد سألنى أحد محرري احدي الجرائد : هل أعطوك مبلغاً من المال؟ فأجبت "لو أعطونى مبلغاً من المال لاستخدمته في خدمه المحتاجين لكنهم أعطوني شهادة نحاسية ملصقة على قطعة من الخشب، أى مكافأة رمزية".
• بعد أحداث 11 سبتمبر يعانى العالم من أزمة اقتصادية حادة وصل تأثيرها إلى مصر وبدأ تيار هجرة المؤمنين يتصاعد فما تعليقك على هذه الظاهرة؟
الهجرة يجب أن تكون بدعوة إلهية، فمن هاجروا إلى واشنطن عانوا وعاشوا لحظات رعب من القناصة. لا يوجد سلام من خارج الإنسان، السلام داخله. أب المؤمنين إبراهيم غير مكان إقامته من أور المكان المتحضر إلى كنعان المتخلفة بالنسبة إلى أور، وكان هذا بناءً على دعوة إلهية. التغيير يجب أن يكون بدعوة إلهية.
ابنتي تقيم في القاهرة وهى تستطيع أن تهاجر ومع ذلك لم تهاجر، وابني هاجر إلى أمريكا. فالهجرة يجب أن تخضع لدعوه الروح القدس.
• هل لديك تفكير في الهجرة من مصر إلى أمريكا؟
لقد حصلت على الكارد الأخضر Green Card وقمت بإعادته إلى السلطات الأمريكية بعد 3 سنين من حصولي عليه. فأنا أحب أن أعيش في مصر وأموت في مصر لأن دعوتى كانت للخدمة في هذا المكان. وعندما كنت في أمريكا عام 56/57 دعانى أحد المجامع المشيخية وأسرتي أن أقيم 4 سنوات للخدمة هناك فاعتذرت عن عدم قبول الدعوة لأني شعرت أن الدعوة الإلهية لى أن أخدم في مصر.
• مساحة الحرية في مصر هل أنت راضٍ عنها؟
لدينا مساحة حرية نشكر الله عليها، فنحن في كنائسنا نمارس العبادة من صلاة وترانيم بحرية، فلا تطلب السلطات منا أن نقدم عنوان الموعظة كما يحدث في بعض الدول. ونشكر الله من أجل هذه الحرية. ولكننا نطلب المزيد كما أن كل حرية تطلب المزيد فالحرية لا شبع منها.
• حضرة القسيس منيس... ما هى الترنيمة التى تحبها؟ والشخصية الكتابية التى تحب أن تكون مثلها؟
أحب ترنيمة (يا ترى اى صديق مثل فادينا الحبيب.. يحمل الآثام عنا وكذا الهم المريب) وكنت أود أن أكون مثل بولس الرسول، لكن الآن أحب أن أكون مثل بطرس الرسول الذي يخطئ وينال فرصة ثانية.
• ما هى نصيحتك للشباب؟ للشيوخ؟ للخدام والقسوس؟
للشبــاب: تعلموا من الشيوخ وكبار السن.
للشيــوخ: سلموا القيادة للشباب لأنهم الجيل القادم.
للخدام والقسوس: كلما توارى الخادم كلما ظهرت الخدمة . فالرسالة أقوى من الرسول والكلمة أهم من المتكلم.
• ما هى أمنياتك الشخصية لك؟ ولكنيستك؟
أرجو أن أموت بدون أمراض كالاختطاف لكي لا أكون ثقلاً على أحد.
أرجو أن تنمو الكنيسة تحت قيادة مباركة يستخدمها الرب بأفضل مما سبق وأن يكون مجد البيت الأخير أعظم من مجد البيت الأول.
د.ق.منيس عبد النور :
• لا يمكن أن أرضى عن حال الكنيسة بأى حال مهما سمت، فلو رضينا بحالنا كما هو لَمَا تقدمنا.
• الوحدة المسيحية لازمة وممكنة، فلم يأتِ المسيح من السماء ليؤسس عدة كنائس وطوائف، لكنه جاء ليؤسس كنيسة واحدة.
• ألا يضحك العالم علينا ونحن نحدثه عن السلام الذي يحلّه الإنجيل، ولا سلام بين طوائفنا التي تتناحر؟!
• يجب على الكنائس أن تعترف بأنها واحدة رغم الانقسامات الموجودة بينها
• نحتاج كمسيحيين قبل كل شىء إلى التوبة والندامة الشديدة لأجل الانشقاقات في الكنائس.
• ويل للكنيسة التي تتباهى بأنها أصلح وأفضل من الكنائس الأخرى.
حاوره : م.عماد توماس
عن كتاب :حوارات وقضايا للمهندس:عماد توماس
0 التعليقات:
إرسال تعليق